الولايات العربية المتحدة
بقلم : د.ليلي تكلا
نجح الجمع المستنير المشارك في مؤتمر الإصلاح العربي بمكتبة الاسكندرية في
إحياء بصيص من آمال الشباب بقيام الولايات العربية المتحدة.
عدت لخريطة العالم العربي فأدركت أن الهوة سحيقة بين النخبة المجتمعة
والواقع الذي نعيشه, لم أره بحضاراته العريقة وثقافاته المتعددة
الثرية, وتنوعه الخلاق, حيث عاش التراث الفرعوني جنبا إلي جنب مع تراث
الامازيج والعراق وفينيقيا وافريقيا.
لم أر المروج والمزارع والأنهار والبحار والموارد والأمل, بل وجدت دماء
تسيل ومؤمرات تحاك وصراعات تبدأ ولا تنتهي, رأيت خريطة ممزقة متهالكة
متآكلة صفراء اللون مشققة كالورق الهش, منشقة علي بعضها!
رأيت عالما عربيا تسحقه صراعات من نوع جديد يدعو للأسي, لم تعد بين الدول
العربية والمستعمر الأجنبي أو بينها وبين إسرائيل, إنما تقوم داخل الوطن
العربي بين دول عربية, تقوم بين دول المشرق ودول المغرب وبين دول الجنوب
وعبر الصحراء بل تشتعل داخل الوطن الواحد السوداني يقتل السوداني,
العراقي يقتل العراقي, اللبناني يغتال اللبناني, والفلسطيني يبيد
الفلسطيني, وقتال في الصومال وجزر القمر,
لم تعد مواجهات بين اتباع المعتقدات السياسية أو الدينية المختلفة بل بين
أبناء العقيدة الواحدة, احتدت بين السني والشيعي ثم زادت الأحوال تدهورا
ليصبح صراعا بين أبناء المذهب الواحد.
مع الذكري السنوية الخامسة للاحتلال الأمريكي للعراق لم يكن الصراع مع
إسرائيل أو جيش الاحتلال كان قتالا بين الشيعي والشيعي, احتدت المواجهة
بين المالكي وجيش المهدي, وهدد الشيعة باشعال حرب أهلية.
حتي مصر أم الدنيا مهد الحضارة ورائدة التوحيد ظهرت بها تيارات لم نكن
نعرفها, تيارات من التعصب والتطرف والإرهاب الفكري والمادي ترتكب باسم
الدين ما تنهي عنه كل الأديان. بالفعل انظر حولي فلا أري مصر التي نعرفها
وأصبح علي من يحبونها أن يتكاتفوا وينشروا نور المعرفة التي تبدد تلك
الظلمات الدخيلة الوافدة. وعلي ان يدركوا ان مصر القوية المستنيرة هي
دعامة الغرب ونور هدايته
إن التدهور الوطني القومي السياسي السلوكي الثقافي الذي يسود العالم
العربي, لا يبرره فقر مادي, فالعالم العربي أصبح ثريا ماديا فقيرا
ثقافيا وإنسانيا.
إن صادرات الدول العربية ـ الإسلامية بلغت خلال الخمس سنوات الماضية4000
مليار دولار وخلال العام الحالي وحده700 مليار, كما أن وصول برميل
البترول إلي100 دولار يقفز بها إلي850 مليارا( وقد يصل إلي200
دولار) أي أكثر من اجمالي الناتج المحلي لإسرائيل ذلك العدو الذي يخيفنا
ويقهرنا ويستفيد من صراعاتنا, والعرب بثرائهم ليس في إمكانهم تهميش دور
إسرائيل في المنطقة لأنهم منشقون علي أنفسهم.
لا نتعجب إذن من اعتداءات إسرائيل العسكرية علي غزة وحصار الجوع لمليون
ونصف المليون فلسطيني, وأن وزيرة خارجية إسرائيل تتحدي الجميع, تهدد
بكل غطرسة بإعادة احتلال غزة أثناء قيام كونداليزا بمشاوراتها في المنطقة
وأثناء محاولات مصر مع الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية تهدئة
الجو.
ولأن الأوضاع تدهورت والأحداث محزنة كان طبيعيا أن تعكس لغة الخطاب ذلك
الوضع القاتم, أصبحنا نقرأ عن التدهور العربي والاخوة الأعداء وأن الشرخ
العربي يزداد عمقا ونبحث عن شعرة معاوية. قمة دمشق وصفت بأنها قمة
التدهور ومكلمة دمشق أصبحنا نتحدث ليس عن احلال السلام إنما إحياء
السلام, وانكمشت قضية فلسطين, التي كافح جيلنا من أجلها وأصبحنا نتساءل
في أسي مع أحمد رجب ماذا يستطيع وطن عربي كبير منقسم علي نفسه أن يقدم
لشعب فلسطين المقهور والمنقسم علي نفسه أيضا؟
***
حتي العمل العربي المشترك لم نعد قادرين عليه وتقهقر الحديث عن الوحدة
العربية إلي التضامن العربي ثم التقارب ثم التوافق ثم عدم التصادم وصولا
إلي حل الصراع, لم يعد العالم يتحدث عن حل الخلافات العربية الإسرائيلية
أو العربية الأمريكية إنما عن حل الخلافات العربية العربية.
خافير سولانا يؤكد أن اللحظة الراهنة في المنطقة دقيقة ومهمة للغاية.
وعمرو موسي الأمين الذي يحمل علي كتفه أخطار العروبة وأخطاء العرب يصف
الموقف بدبلوماسية انها أجواء داكنة واسوأ لحظات الوضع العربي.
بلغ الألم ذروته بأحداث لبنان ذلك البلد الجميل الذي كان يحب الحياة ويضرب
للعالم مثلا في التعايش, أرهقته الصراعات والاغتيالات والتشتت والضياع
والانقسام حتي انقسم علي نفسه فاستمرت محاولات انتخاب رئيس لبنان تؤجل ما
يقرب من20 مرة.
ويهمس البعض بما هو اسوأ من ذلك يقولون إن العرب أصبحوا لا يتلاقون أو
يتفقون إلا علي أرضية معينة وبتعليمات غير عربية. ويتساءل الشباب لماذا
نجح اجتماع الدوحة رغم أن ما جاء به لا يختلف عما قدم قبل ذلك من مبادرات
واقتراحات مصرية وسعودية ومن جامعة الدول العربية؟ وما السبب؟ هل ذلك
لأسباب سياسية أو ثقافية أو مادية؟ ومهما كانت الأسباب نحمد الله علي
الاتفاق. ونحمد الله أن العروبة لا تباع ولا تشتري!
***
بين الحين والحين تصدر أنات خافتة ونداءات صادقة تدعو للتخلص مما هو قائم
والتحول نحو تكامل قومي لكن سرعان ما تكبتها أصوات المدافع أو صيحات الألم
ويحرقها رصاص الاغتيال والتخريب والإرهاب بأنواعه, وعندما حاولت دول
الخليج إنشاء ماسترخت خليجي فشلت بسبب الاختلافات والتناقضات.
والسؤال هو: هل كان حلم الشباب مجرد خيال أزهقه الواقع المؤلم؟ هل كان
حلما أصبح كابوسا, وأملا أصبح سراب؟ أم مازال هدفا وإن كان صعب المنال؟
تقول الحكمة هناك دائما أمل طالما هناك نفس يتردد, ويرد الواقع هيهات ثم يسخر من أحلام الشباب.
ويقول العقل إن الثقة والإيمان والمثابرة هي التي تجعل الأمل واقعا وتصبغ علي الواقع بصيصا من أمل. وعلينا أن نغلب العقد ونختار