عدد المساهمات : 425 نقاط : 50293 السٌّمعَة : 2 تاريخ التسجيل : 05/06/2011
موضوع: شارل ديجول.. الرجل الذي أخرج فرنسا من المقبرة السبت يوليو 30, 2011 6:37 pm
Mar 2 2011
خلال الحرب العالمية الثانية، وتحديداً عام 1940 قام الجيش الألماني النازي باجتياح فرنسا خلال بضع ساعات، كعادة ألمانيا دائماً، حيث جرى المشهد ذاته خلال حرب 1870 وخلال الحرب العالمية الأولى.
وقامت ألمانيا بتنصيب حكومة فرنسية هزيلة في فيجي، وسميت حكومة فيجي في كتب التاريخ ويضرب بها المثل في الخيانة، رغم أن رئيس حكومة فيجي كان من أكثر رجالات فرنسا وطنية، ولكنه رأى أن رئاسته لهذه الحكومة تمنع ألمانيا من إلحاق ضرر أكبر بفرنسا، ويجعله يحكم أجزاء من فرنسا تمهيداً لتحريرها.
قوة هتلر هذه المرة جعلت الغزو الألماني مختلفاً، وتحدّث المؤرخون عن اختفاء فرنسا من الخارطة نهائياً.. رجل واحد آمن بأن فرنسا حية وسوف تعود مجدداً.. إنه نائب وزير الدفاع الفرنسي الجنرال شارل ديجول.
وشارل ديجول من مواليد 1890 عسكري فرنسي حارب في الحرب العالمية الأولى، واعتقل في ألمانيا خلال الحرب إلا أنه تمكّن من الهرب، وخدم ما بين عامي 1929 و1931 في بيروت في منصب رئيس المخابرات الخاصة بالجيش الفرنسي في الشام.
وعقب اشتعال الحرب العالمية الثانية حاول ديجول قيادة الجيش الفرنسي لمنع الغزو الألماني، إلا أن القيادة السياسية لم تعطِ ديجول الصلاحيات اللازمة، وانهزم الجيش الفرنسي.
وسارع ديجول بالهرب من فرنسا، وفي المنفى أسس حركة "فرنسا الحرة"، واستطاع الظفر بقرار من بريطانيا وحلفائها باعتبار حركة ديجول هي الممثل الشرعي لحكومة فرنسا في المحافل الدولية.
بل إن ديجول ظفر بقرار دولي يجعل المستعمرات الفرنسية في الشام وشمال إفريقيا والهند الصينية تحت ولاية ووصاية حركة ديجول!
وكان رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل يتعجب من هذا الرجل طويل القامة.. بلاده محتلة، ومع ذلك يتحدث عن مستعمرات فرنسية في إفريقيا وآسيا يجب أن تعود لسلطة باريس حينما يعود لها مرة أخرى!!
يعتبر الفرنسيون هذه الخطوات هي مصدر كبرياء فرنسا نفسها في العصر الحديث؛ فالرجل لم يستسلم للهزيمة واليأس، بل ظل يتصرّف بشكل فرنسي خالص، رفعة نفس وقوة شكيمة وثقة في أن الأمة الفرنسية لن تذوب أبداً في الكيان النازي.
كان ديجول يدرك أن بريطانيا وحلفاءها في الحرب سوف يقومون بتحرير فرنسا كجزء من الزحف العسكري حيال ألمانيا، لذا لم يفكّر متى وأين وكيف يمكن فعل ذلك، ولكنه فكر في شيء واحد فقط.. هو أن يحجز دوره ودور بلاده في هذه المرحلة.
وبالفعل قام الحلفاء بتحرير فرنسا من قبضة النازية، وتسلّم ديجول فرنسا، حيث تولى رئاسة الوزارة الفرنسية في 20 أغسطس 1944 ريثما يتم تنظيم الانتخابات البرلمانية عقب انتهاء الحرب.
وحينما تم تنظيم الانتخابات، تفاجأ ديجول والعالم أجمع بأن الفرنسيين انتخبوا اليسار، بينما تزعم ديجول وقتذاك اليمين الراديكالي الفرنسي، وهكذا أسقط الفرنسيون بطل الاستقلال في الانتخابات البرلمانية، وغادر ديجول منصبه في 20 يناير 1946.
مثلما قال المؤرخون يوماً بأن فرنسا لم يعد لها وجود ثم عادت على يد ديجول.. قال المؤرخون وقتذاك الشيء ذاته عن ديجول نفسه، وبأنه رجل خرج من دائرة التاريخ، ولكن ديجول كان له رأي مختلف.
قال ديجول: "لم أعمل في أي جهة أو منصب.. سوف أنتظر في منزلي بجوار الهاتف.. ويوماً ما سوف تقوم هذه الأمة باستدعائي مرة أخرى لقيادتها"!
لم يكن يرى نفسه إلا زعيماً، ولا يعرف لنفسه مكاناً إلا على رأس الأمة الفرنسية.
وبعد 12 سنة قام الجيش الفرنسي بانقلاب عسكري على ضوء انهيار الجمهورية الفرنسية الرابعة، سواء بسبب إفلاس اليسار أو الهزيمة السياسية الكبرى في العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956، أو الهزيمة العسكرية على يد فيتنام في الهند الصينية وانسحاب فرنسا من مستعمراتها الآسيوية هنالك، وقام قادة الانقلاب بـ"الاتصال هاتفياً" بالزعيم المنتظر للعودة إلى قصر الإليزيه.
ترأّس ديجول الوزارة الفرنسية بشكل مؤقت، وتولى وزارة الدفاع، قبل أن يُنتخب رئيساً للجمهورية الفرنسية، ويعلن قيام الجمهورية الفرنسية الخامسة.
حكم ديجول فرنسا ما بين عامي 1959 و 1969 استطاع خلال هذه الفترة الصعود بفرنسا كقوة سياسية واقتصادية في أوروبا، ومستقلة عن المحاور الأوروبية والأمريكية.
وحاول ديجول التملّص من تحرير الجزائر، إلا أنه أقرّ في النهاية بتحريرها، وباستثناء رغبته في الاحتفاظ بالجزائر فإن ديجول كان زعيماً أوروبياً متوازناً، ومع ذلك لم تقم الدول العربية وعلى رأسها مصر بالانفتاح على باريس إلا متأخراً.
وحينما بدأت إسرائيل في الإعداد سراً لضربة يونيو 1967 زار وفد إسرائيلي باريس لإطلاع ديجول على آخر التطورات، فإذ بالرئيس الفرنسي يقول جملة واحدة فقط: "لا تشعلوا حرباً".
وفي عام 1969 ظهرت حركة طلابية جديدة في فرنسا، قامت بانتفاضة طلابية كبرى، خاصة أن الرئيس ديجول قد بلغ التاسعة والسبعين من العمر، وبالفعل رضخ ديجول لمطالب الجيل الجديد في فرنسا، وقدّم استقالته.
وبعد عام على استقالته توفي الجنرال الرئيس في 9 نوفمبر 1970 بعد أن أخرج فرنسا من مقبرتها النازية، وصنع منها قطباً دولياً لا يزال يصنع السياسيات والدول حتى يومنا هذا